الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

معن بن زائدة و العبد الأسود

قال مروان بن أبي حفصة: أخبرني معن بن زائدة أن الخليفة أبو جعفر ألح في طلبه وأنه جعل لمن يحمله اليه مبلغا من المال فاضطررت لشدة الإلحاح بالطلب أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي فلبست جبة صوف وركبت جملا وخرجت متوجها إلى البادية لأقيم بها فلما خرجت من باب حرب وهو أحد أبواب بغداد تبعني عبد أسود متقلد بسيفه فقبض على خطام الجمل فأناخه وقبض على يدي.فقلت له : مابك ؟فقال أنت مطلوب لأمير المؤمنين فقلت :ومن أنا حتى أطلب؟ فقال :أنت معن بن زائدة :فقلت له :ياهذا اتق الله أين أنا من معن فقال :دع هذا فوالله إني لأعرف بك منك فلما رأيت منه الجد في الحديث قلت هذا جوهر قد حملته ويساوي أضعاف ما وهبه المنصور لمن يجيئه بي فخذه ولاتكن سببا في سفك دمي فأخذه ونظر فيه وقال : صدقت في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن امر فإن أصدقتني القول أطلقتك فقلت : تكلم قال :إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله ؟ قلت لا قال:فنصفه أو ثلثه قلت : لا حتى بلغ العشر فاستحيت وقلت : أظن أني فعلت هذا فأجاب : وماذاك بعظيم وأنا والله راجل ورزقي من أبي جعفر المنصور عشرين درهما كل شهر وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس ولتعلم أن في هذه الدنيا من أجود منك فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كل جود فعلته ولاتتوقف عن مكرمة ثم رمى العقد وولى منصرفا فقلت :ياهذا والله لقد كشفت امري ولسفك دمي اهون علي مما فعلت فخذ مادفعته لك فإني غني عنه فضحك العبد وقال:أردت أن تكذبني في مقالي فوالله لن آخذه ولا آخذ لمعروف ثمنا أبدا ومضى لسبيله وبعدها طلبته بعد أن أمنت وبذلك لمن يجئ به ماشاء فما عرفت له خبرا وكأن الأرض ابتلعته.
من كتب الأدب