الجمعة، 29 مايو 2020

اللصوص والحلوى

قال عبد الواحد بن نصر المخزومي؛ قال: أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرًا، يمشي وعليه مرقعة، وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلًا كلهم على هذه الصفة، فصحبنا في بعض الطريق رجل مسن حسن الهيئة، معه حمار فَارِه يركبه، ومعه بغلان عليهما رحل وقماش ومتاع فاخر، فقلنا له: يا هذا، إنك لا تفكر في خروج اللصوص علينا، فإنه لا شيء معنا يؤخذ، وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك. فقال: يكفينا الله. ثم سار ولم يقبل منا، وكان إذا نزل استدعى أكثرنا فأطعمه وسقاه، وإذا عيَّ الواحد منا أركبه على أحد بغليه. وكانت جماعة تخدمه وتكرمه، ونتدبر برأيه، إلى أن بلغنا موضعًا، فخرج علينا نحو ثلاثين فارسًا من اللصوص فتفرقنا عليهم ومانعناهم. فقال الرجل: لا تفعلوا. فتركناهم، ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها، وجلس يأكل، وأظلتنا الخيل، فلما رأوا الطعام دعاهم إليه، فجلسوا يأكلون، ثم حلَّ رحله، وأخرج منه حلوى كثيرة، فتركها بين أيدي اللصوص، فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا، فقال لنا: إن الحلوى مبنَّجة، أعددتها لمثل هذا، وقد تمكنا منهم وتمت الحيلة، ولكن لا يُفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا، فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر حتى نسير. ففعلوا فما قدروا على الامتناع، فعلمنا صدق قوله، وأخذنا أسلحتهم، وركبنا دوابهم، وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا، فما نجتاز بقوم إلا يظنونا من أهل البادية، فيطلبون النجاء منا حتى بلغنا مأمننا.